الزعم أن الإسلام دين لا علاقة له بالسياسة.
• الشبهة: الزعم أن الإسلام دين لا علاقة له بالسياسة.
• مضمون الشبهة: ادعاء بعض المغالطين أن الإسلام شريعة روحية تعبدية، ولا يعدو أن يكون دعوة دينية مقصورة على مجرد الاعتقاد وإقامة الصلاة الروحية بين العبد وربه؛ فلا تعلق لهذا الدين بالشئون المادية في الحياة، كالسياسة والحرب والمال... إلخ.
- وهذه الشبهة باطلة من عدة أوجه:
• أولًا: أصل مقولة "الفصل بين الإسلام والدولة" يرجع إلى ثورة كمال أتاتورك وما تبعها من حركات وكتابات مشبوهة.
- ظلَّ المسلمون منذ وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- واستخلاف الصديق -رضي الله عنه- يفهمون الإسلام فهمًا شموليا، معتقدين توفيقه بين أمور الدين والدنيا، وأن الله لم يفرط في كتابه -القرآن- من شيء، حتى جاء النظام التركي القومي الجديد بقيادة "مصطفى كمال أتاتورك"، فألغى نهائيًا نظام الخلافة الإسلامية -الذي بدأ منذ استخلاف الصديق في السقيفة- بإنهائه الخلافة العثمانية، فخلا العالم الإسلامي -للمرة الأولى في تاريخه- ممن يحمل لقب خليفة.
- وقد تطلعت لاستئناف نظام الخلافة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي دوائر عديدة بدوافع متعددة؛ فثمة فريق رأى أن الخلافة واجهة يقف خلفها المسلمون في تصديهم لزحف الغرب الاستعماري على بلادهم، وفريق ثان اعتبرها تراثا، وفريق ثالث اعتقد أن إقامتها واجب ديني وأصل من أصول الإسلام.
- والحق أن من ينكرون صلة الإسلام بالسياسة ينطلقون من مقولة باطلة أساسا، وهي أن الإسلام مجموعة من العبادات بالمفهوم الضيق لهذه الكلمة، أي مجموعة من الطقوس والشعائر التعبدية تؤدى وكفى.
وهذا قول يجانب الحقيقة تماما؛ فمن بدهيات الفكر الإسلامي أن الإسلام نظام شامل للحياة، والسياسة من أهم شئونها ومجالاتها، فلا يتصور أن يدع الإسلام هذا الجانب المهم السياسة ويهمله دون أن يرسم له الإطار العريض وينص على المبادئ التوجيهية العامة فيه.
- ولا شك أن علاقة الإسلام بالسياسة ثابتة في المرجعية الإسلامية -القرآن والسنة- نظريا، وفي واقع تاريخ المسلمين عمليا، فمن الإشارات التي تضمنتها آيات القرآن الكريم قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.
بالإضافة إلى هذا فإن القرآن حافل بالنصوص التي تعلي من شأن العدل باعتباره أساس الحكم الصالح والإدارة السليمة، ومن ذلك قوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}.
• ثانيًا: معطيات القرآن والسنة في شئون الحكم والسياسة تكفل إقامة نظام قوي ناجح.
- لقد حفلت السنة النبوية بالنصوص التي تتعلق بالسياسة وشئونها، وهي تؤكد ما ورد في القرآن بهذا الشأن وتبينه، ومن ذلك ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته...).
وقال ﷺ: (لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف).
- وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- العملية تؤكد سنته القولية في هذا الشأن، فلئن كانت المرحلة المكية من سيرته قد انصرفت لتثبيت العقيدة؛ فقد تفرغ في الفترة المدنية لتكوين الأمة، وبناء صرح الدولة، وتشييد نظامها، وتوطيد أركانها.
• ثالثًا: التاريخ الواقعي للدولة الإسلامية يتضح فيه الاهتمام بشئون الدين والدولة معا:
- فعندما أذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة إلى المدينة، ابتدأ ببناء المسجد الذي أصبح رمزًا لوجود الأمة المادي، بالإضافة إلى وجودها المعنوي، فلم يكن المسجد موضعا للصلاة فحسب؛ بل كان موضع اجتماع المسلمين للاستماع إلى خطب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتلاوة القرآن و الائتناس ببعضهم وسماع الأخبار، وبجواره يقيم قائد الأمة، ومن هنا تدبر شئونها.
- ثم آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار لتتشكل جماعة المؤمنين على أسس متينة.
- ومجتمع المدينة لم يقتصر على المسلمين؛ بل ضم من بقوا على حالهم ولم يدخلوا في الإسلام من العرب واليهود، فوضع الرسول الدستور المنظم للعلاقات بين هذه الجماعات، وحدد لكل حقوقه وواجباته فيما عرف بالصحيفة.
ويحق لنا أن نصف هذه الصحيفة النبوية بأنها نص دستوري توافرت له أبعاد ثورية قانونية نظرية، ورؤية منهجية بعيدة المدى، فضلًا عن تفرده التاريخي في باب العلاقات بين طوائف الدولة وفئاتها.
- إذن بهذه المعطيات قامت الدولة التي اشتملت على الأمة التي سكنت أرضا ذات معالم، وقادها الرسول -صلى الله عليه وسلم- واهتدت بمعالم الدستور النبوي، وقد مارس النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإضافة إلى التوجيه الديني مسئوليات القيادة النبوية، مستندًا إلى قواعد الدين؛ فنظم شئون الحرب والسلم، وعقد المعاهدات، وجبي الأموال وأنفقها في وجوهها، وعين الولاة والقضاة، وبالجملة فقد أدار شئون هذا المجتمع الجديد الذي أخذ شكل دولة ناشئة. وما الدولة في المفهوم المعاصر إلا أرض وشعب وقيادة وحكومة؟!
• رابعًا: من علل صدود المنكرين لوجود صلة بين الدين وبين الدنيا والسياسة أنهم خلطوا بين الخلافة كرمز للنظام السياسي في الإسلام على المستوى الفكري وبين تطبيقاتها التاريخية في العصور المختلفة راشدها وزائغها.
وهذا الخلط هو ما أدى إلى أن تجيء الصورة لدى هؤلاء منفرة سوداوية صادة للنفس عن مثل هذا النموذج الذي صورته وعبرت عنه.
• الخلاصة: كانت عناية الإسلام منذ بداياته الأولى بشئون الحكم والسياسة ثابتة مستقرة لا يمكن تجاهلها، أو إنكارها أو التشكيك فيها.
والدعوة إلى "الفصل بين الدين والدولة" ترويج للفكر العلماني في العالم الإسلامي، ومحاولة للقضاء على فكرة الأمة في أذهان المسلمين.
وقد اشتمل القرآن واشتملت السنة على كثير من الآيات والأحاديث التي تؤكد اهتمام الإسلام بشئون الحكم والسياسة وإيراده طائفة كبيرة من مفرداتها يدحض دعوى عدم وجود علاقة بين الدين والسياسة.
والتطبيق العملي لمبادئ الدولة الإسلامية يؤكد عناية الإسلام بشئون الحكم والسياسة، وإن قل هذا التطبيق الصحيح لمبادئ الإسلام على مدار التاريخ، بل لقد أساء بعض الحكام المسلمين التطبيق العملي لهذه المبادئ.
تعليقات
إرسال تعليق