نصيحتي لكل مريد حفظ كتاب الله.

 بسم الله الرحمن الرحيم..

أما بعد..

فاعلم رحمك الله أن حافظ القرآن من أهل الله وخاصته، وهل لله عز وجل أهلين؟

- قال رسول الله ﷺ: (إن لله عز وجل أهلين من الناس، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته). [رواه أحمد، وصححه الألباني].

فهل بعد ذلك الفضل من فضل؟

واعلم يا رعاك الله، أن حافظ القرآن مقدم على غيره في الدنيا والآخرة، مقدمٌ في الدنيا في إمامة الصلاة وفي المشورة والرأي..

وكيف يقدَّم في الآخرة؟

- قال جابر قال ﷺ: (كان النبي ﷺ يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد). [رواه البخاري].

فتكريم وتقديم حافظ القرآن لم يقف عند هذه الدار بل تجاوزها إلى الدار الباقية.

وحافظ القرآن يكون مع الملائكة رفيقًا لهم في منازلهم، قال ﷺ: (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظٌ له مع السفرة الكرام البررة). [رواه البخاري].

قال ابن الأثير: (مع السفرة الكرام البررة أي: الملائكة).

وحافظ القرآن يُكسى والداه حُلتيْن لا يقوم لهما أهل الدنيا، كما ثبت عن الرسول ﷺ.

ثم اعلم حفظك الله، أن حفظ القرآن مشروع العمر، وهو خير مشروع، إذه به تحوز دُنياك وآخرتك، وهذه نصائح أرجو من الله أن يكون فيها الخير فتفيدك وتُسهم في إنجاح مشروعك:

• أولًا: (لا مشروع ينجح بلا أهداف)، لماذا تريد أن تحفظ القرآن؟ هل ليُصلحك الله به؟ هل لتكسو والديك الحلتين فترد لهما بعض جميلهما عليك؟ هل وهل وهل.. حدد نيتك من حفظ القرآن أو نواياك.. لأنها ستكون وقودك عند فتورك خلال هذه الرحلة المباركة.

• ثانيًا: (الإخلاص)، فالعبادات لا تُقبل دون الإخلاص، لا تبتغِ بحفظك لكتاب الله وجه أحدٍ إلا الله.

• ثالثًا: (القرآن مُيسَّر)، قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.. فالقرآن ميسر للحفظ والتلاوة ولتدبر معانيه، ألم ترَ أن كثيرًا من الأطفال لم يبلغوا العقد الأول من عمرهم وصدورهم تحتضن كتاب الله؟ نعم رُبَّما تواجه صعوبة في البداية، وكذلك أي مشروع، دائمًا ما تكون البداية صعبة، لكن فكِّر دائمًا في النهاية وفي جمالها.

• رابعًا: (الزم الدعاء)، عليك بالدعاء ثم الدعاء، أكثر منه، في سجودك في قنوتك ليلًا، تحرى أوقات قبول الدعاء وادعُ الله بالتيسير والتوفيق والإعانة، فإن أعانك الله على حفظ كتابه، فهل هناك بعد هذه الإعانة من إعانة؟

• خامسًا: (خذ وقتك)، ليس المهم متى تحفظ القرآن، المهم أن تحفظ القرآن، فابدأ بالقليل، بنصف وجه أو أقل في اليوم، حتى تتعود فتتمكن من حفظ وجه كامل في اليوم أو ربَّما صفحة.

• سادسًا: (إذا بدأت لا تتوقف)، طوال هذه الرحلة المباركة، سيصاحبك الشيطان بوساوسه، سيُحطِّمك، سيُحاول جاهدًا أن يُثبِّطك، لا تستمع له، واستعذ بالله منه، وتوكل على الله، واصبر، ولا يمرَّ عليك يومٌ دون أن تحفظ، ولو آية.

• سابعًا: (المراجعة أهم من الحفظ)، إذا قصَّرت في الحفظ، لا تُقصِّر في المراجعة، راجع حفظك يوميًا، وإن أكملت حفظ جزء أو أكثر، حاول أن لا يمر عليك أسبوع إلا وأنت قد أتممت مراجعة حفظك كاملًا، فالقرآن سريع التفلت، فإياك وترك المراجعة.

• ثامنًا: (التزم بخطَّة ولا تغيِّرها)، إن كنت ستحفظ القرآن في حلقة في المسجد أو عبر الإنترنت فاجعل شيخك يحدد لك خطة تلزمها، وإن كنت ستبدأ بالحفظ وحدك فهناك الكثير من المواقع مثل موقع "إتقان" يمكنك من خلاله أن تصنع لك خطَّة وتلزمها، وفائدة مثل هذه الخطط أنها تعينك على الالتزام، وتجعلك أكثر انتظامًا وترتيبًا.

• تاسعًا: (التجويد)، الأكمل والأفضل أن يُقرأ القرآن كما أُنزل على محمد ﷺ، لذلك احرص على تعلم التجويد، وهو سهل.

• عاشرًا: (الصحبة الصالحة)، في هذه الرحلة لا بد أن تزل قدمك ولو مرة، لذلك ابحث عن صحبة صالحة، تساندك وتساعدك عند الزلل، ويعين أحدكم الآخر.

تلك يا صاحبي عشرة كاملة.

- ملحقات:

• أولاً: اختر قارءًا واحدًا تحبه، واستمع له كثيرًا وقلِّده، وقبل حفظ محفوظك استمع له مرة ومرتين وثلاث.. حتى يُحفظ على الوجه السليم.

• ثانيًا: حاول أن تُعمل أكبر عدد ممكن من حواسك أثناء الحفظ.

• ثالثًا: كرر لتحفظ لا لتنتهي، كرر ثم كرر حتى تحفظ، واعلم أن القرآن يليِّن العقل ويوسع مداركه، فإن كنت تحفظ اليوم الوجه من القرآن بعد خمسين تكرارًا، فبعد أيام ستحفظه بعد أربعين تكرارًا وهكذا.

• رابعًا: اعتني بالتفسير، لا تحفظ آية إلا وأنت تعلم معناها، وأنصحك بالمختصر لتفسير القرآن، فإنك إن جمعت الحفظ مع الفهم يكون ذلك أفضل لثبات هذا الحفظ.

• خامسًا: هذا منهج يسير مقترح لتعلم التجويد (وهو مجرَّب): احفظ متن "تحفة الأطفال" وهو قرابة الستين بيتًا جمعت أهم أحكام التجويد، احفظ كل يوم ثلاثة أبيات، ثم أتبع ذلك بفهم معنى الأبيات بقراءة شرح من شروح هذا المتن، وأنصحك "بأيسر المقال على شرح تحفة الأطفال" وكل ذلك متوفر على الإنترنت.. واجمع معهم أيضًا شرحًا صوتيًا من اليوتيوب، وما أكثر الشروحات، وأخيرًا طبِّق ما تعلمت.

وبإذن الله، في أقل من شهر، ستتمكن من أساسيات علم التجويد، وتقرأ القرآن ان شاء الله كما أُنزل على نبينا خير الأنام.

• سادسًا: اعمل بما تحفظ، وليكن خلقك القرآن. 

وهذا ما وفقني الله لكتابته، وأقول لك ختامًا: أنت مقدمٌ على مشروع عظيم، أسأل الله أن ييسر لك ولنا حفظ كتابه والعمل به.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في العقيدة (تلخيص شرح الأصول الثلاثة لابن عثيمين).

غدير خم

الله أكبر